أخبار

اكتشاف كميات هائلة من فيروس إنفلونزا الطيور في الحليب الخام لأبقار

نشرت بتاريخ 20 يونيو 2024

تشير بيانات جديدة بأصابع الاتهام إلى عملية حلب الأبقار كمسار محتمل لانتشار عدوى إنفلونزا الطيور بين الأبقار، ولانتقال هذه العدوى من الأبقار إلى البشر.

 

ماكس كوزلوف

يُمكن لفيروس إنفلونزا الطيور «H5N1» البقاء على قيد الحياة لعدة ساعات في رذاذ قطرات الحليب من الأبقار المصابة به.
يُمكن لفيروس إنفلونزا الطيور «H5N1» البقاء على قيد الحياة لعدة ساعات في رذاذ قطرات الحليب من الأبقار المصابة به.
Credit: Juancho Torres/Anadolu Agency/Getty

تشير بيانات دراسة جديدة إلى أن الحليب من الأبقار المصابة بمرض إنفلونزا الطيور يحتوي على كميات هائلة من جسيمات الفيروس المسبب لهذا المرض، والذي يمكن أن يصمد لساعات في رذاذ الحليب المتناثر من الأبقار 1 ،2. وتأتي هذه الدراسة لتضيف إلى الأدلة المتنامية التي تشير إلى احتمالية تسبب عملية حلب الأبقار في انتشار الفيروس بين الأبقار والحيوانات الأخرى، وربما أيضًا البشر.

ويُعد هذا سيناريو أفضل للصحة العامة من انتشار الفيروس عبر الجسيمات المحمولة جوًا، والذي يُتوقع أن يكون أصعب في احتوائه. تعقيبًا على نتائج الدراسة، يقول مارتن بير اختصاصي علم الفيروسات من معهد الأبحاث الفيدرالية لصحة الحيوان في مدينة جريفسفالت الألمانية: "إنه لنبأ سار أن يكون الأرجح هو انتشار الفيروس عبر عملية حلب الأبقار". يعني هذا  أن التغيرات التي تطرأ على إجراءات عملية حلب الأبقار قد تساعد في الحد من انتشار الفيروس  وتحول دون انتقال العدوى به إلى البشر.

فيروس عالي القدرة على الانتشار

منذ عزل هذا الفيروس ذو القدرة الكبيرة على الإمراض في عام 1996 3 تسبب في موجات عدوى به بين الحيوانات الأليفة والبرية على حد سواء في أنحاء شتى من العالم، وأصابت عدواه أحيانًا الثدييات مثل الفقمات والثعالب. وفي الخامس والعشرين من مارس الماضي، أعلن عدد من مسؤولي الصحة في الولايات المتحدة الأمريكية عن رصده للمرة الأولى في أبقار لإنتاج الحليب. واعتبارًا من الخامس من يونيو الماضي، تأكدت كذلك الإصابة بعدواه بين أكثر من 80 قطيعًا لإنتاج الحليب في تسع ولايات وفي ثلاثة مزارعين، أبدوا جميعًا أعراض إصابة طفيفة بالفيروس.

تجدر الإشارة إلى ان العلماء لم يشتبهوا في السابق في أن قطعان الماشية قد تصاب بسهولة بإنفلونزا الطيور، ظنًا أن هذه القطعان افتقرت إلى المستقبلات التي تسمح للفيروس بالنفاذ إلى الخلايا. غير أن ورود بلاغات بمرض بعض الماشية والتهاب ضروعها أثار شكوكًا في أن الفيروس قد يتمتع بالقدرة على إصابة الغدد الثديية لهذه القطعان.

وتدعم دراسات جديدة 4،5 صحة هذه الفكرة، إذ تسوق براهين على أن الخلايا المُبطنة للغدد الثديية التي تُحلب في الأبقار تحتوي على كم وفير من مستقبلات الفيروس، وعلى أن السلالة الجديدة المكتشفة منه تتكاثر في هذه الخلايا بدلًا من الجهاز التنفسي الذي تصيبه عادة فيروسات الإنفلونزا. وهذا ما أكده دييجو ديل، المؤلف المشارك في الدراسة واختصاصي علم الفيروسات من جامعة كورنيل في مدينة إيثاكا بولاية نيويورك الأمريكية، قائلًا: "يبدو أن الغدد الثديية هي المستهدف الرئيس في عملية تنسخ الفيروس"، على أن بعض الأبقار المصابة أظهرت أيضًا أعراضًا طفيفة تنم عن إصابة الجهاز التنفسي، بحسب ما يفيد ديل وفريقه البحثي.

ويجدر التنويه هنا إلى أن الدراسات سالفة الذكر نُشرت على خادم المسودات البحثية «بيو آركايف» bioRxiv، ولم تخضع بعد لمراجعة أقران.

 

الحليب ينضح بالفيروس

فحص ديل وفريقه البحثي حليب الأبقار المصابة بفيروس إنفلونزا الطيور «H5N1» ليجدوا كميات هائلة من هذا المُمْرِض في عينات الفحص، التي حوت مئات الملايين من جسيمات الفيروس المعدية، بمستويات "تفوق تلك التي يمكن استنباتها في المختبر" من أجل إجراء التجارب، على حد تعبير سيما لاكداوالا المتخصصة في دراسة فيروسات الإنفلونزا من كلية طب جامعة إيموري في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا الأمريكية، وهي تضيف: "في الظروف المثالية، لا نحصل على مستويات تكاثر مرتفعة إلى هذا الحد الذي لا يصدقه عقل".

ولعل هذه الوفرة تساعد في وضع تفسير للسبب الذي قاد إلى اكتشاف شظايا من الفيروس في واحد من أصل كل خمس عينات من حليب الأبقار المباع بالتجزئة هناك6 إذ يمكن لعدد صغير من الأبقار المصابة تلويث إمدادات الحليب بعديد من جسيمات الفيروس. (تجدر الإشارة إلى أن عملية البسترة تُخمد نشاط الفيروس في الحليب، بحسب مسودة بحثية7 نُشرت الأسبوع الماضي)

ويرى بير أن أعداد جسيمات الفيروس الموجودة بمستويات شديدة الارتفاع في الحليب تفتح بابًا للأمل. إذ يعني هذا أن مجموع عينات الحليب المستخرجة من جميع أبقار المزرعة الواحدة يرجح أن يكشف عن وجود أبقار مصابة، حتى إن كانت قليلة العدد، وهذا أسهل من فحص الأبقار كل على حدة للكشف عن حالات الإصابة.  وقد ترشد فحوص العينات المجمعة المزارعين إلى الوقت الملائم لمراقبة الحيوانات تحسبًا لمرض بعضها، ليمكن بعدئذ عزل هذه الحيوانات المصابة.

عملية حلب الأبقار والفيروس

تُشير نتائج الدراسات إلى أن الحد من التعرض للحليب الخام قد يكون من السبل المهمة للحيلولة دون انتشار الفيروس. غير أن الحجم الهائل لصناعة حلب الأبقار في الولايات المتحدة الأمريكية يعني أن عملية وقف انتشار هذا المُمْرض يُتوقع أن تواجه عراقيل، بتعبير يوريجِن ريشت، اختصاصي علم الفيروسات البيطري من جامعة ولاية كانساس في مدينة مانهاتن الأمريكية.

فبادئ ذي بدء، تُستخدم معدات حلب الأبقار نفسها في جمع الحليب من العديد من الأبقار، وهو ما يفتح أمام الفيروس فرصة كبيرة للانتشار. علاوة على أن عملية حلب الأبقار تتسم بالفوضوية. فكثيرًا ما ينسكب الحليب على الأرض في أثنائها، وعند إفلات معدات شفط الحليب لضرع البقرة، يتناثر الحليب في كل اتجاه. وهذا يهدد صحة العاملين على جمع الحليب، بحسب ما تفيد لاكداوالا، التي تضيف: "لا يمثل هذا عادة مشكلة كبيرة للعاملين في هذا المجال، فهو أمر ليس بالجديد لهم، إلا أنه يعني أنهم معرضون لوابل من الفيروس".

وهذا الشاغل لدى لاكداوالا يجد ما يدعمه في البيانات التي جمعتها مع فريقها البحثي؛ فوفقًا لما كشف عنه الفريق، يمكن للفيروس المعدي أن يصمد على قيد الحياة في قطرات الحليب وعلى معدات الحلب لعدة ساعات. واستنادًا إلى هذه البيانات، من أجل درء انتشار الفيروس، تحث لاكداوالا أصحاب المزارع على مراعاة تطهير معدات حلب الأبقار بين كل استخدام وآخر وعلى تركيب معدات تهوية ملائمة، وإتاحة معدات وقائية مثل أغطية الوجه للعاملين بالمزارع.

ومما يضفي المزيد من التعقيد على المشكلة أن الأبقار المدرة للحليب، سواء كانت مصابة أم لا، ينبغي حلبها باستمرار لتلافي تعرضها لإصابة بالغة. يعني هذا أن مزارع منتجات الألبان، التي تُرسل عادة الحليب الخام لمنشآت معالجته الضخمة بحاجة إلى الأموال والمعدات لإخماد نشاط الفيروس في الحليب المستمد من الأبقار المصابة، وإلا فقد يجري التخلص من هذا الحليب في أماكن يمكن فيها لحيوانات أخرى مثل قطط المزارع مصادفته، بحسب ما توضح لاكداوالا.

ومن هنا، يجمع ريشت وفريقه البحثي بيانات لتحديد ما إذا كانت الأبقار غير المنتجة للحليب وذكور الماشية معرضة بدورها لخطر الفيروس، على أنه يرى أن التركيز على عملية حلب الأبقار للوقت الحالي قد يساعد في كبح جماح فاشيات الفيروس.

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.191


References:

1.    Caserta, L. C. et al. Preprint at bioRxiv https://doi.org/10.1101/2024.05.22.595317 (2024).

2.    Le Sage, V., Campbell, A. J., Reed, D. S., Duprex, W. P. & Lakdawala, S. S. Preprint at medRxiv https://doi.org/10.1101/2024.05.22.24307745 (2024).

3.    Xu, X., Subbarao, K., Cox, N. & Guo, Y. Virology 261, 15–19 (1999).

4.    Kristensen, C., Jensen, H. E., Trebbien, R., Webby, R. J. & Larsen, L. E. Preprint at bioRxiv https://doi.org/10.1101/2024.05.03.592326 (2024).

5.    Carrasco, M. R., Gröne, A., van den Brand, J. M. A. & de Vries, R. P. Preprint at bioRxiv https://doi.org/10.1101/2024.05.24.595667 (2024).

6.    Spackman, E. et al. Preprint at medRxiv https://doi.org/10.1101/2024.05.21.24307706 (2024).

7.    Schafers, J. et al. Preprint at medRxiv https://doi.org/10.1101/2024.05.30.24308212 (2024).