أخبار

أدوات ذكاء اصطناعي محمولة باليد تعزز تشخيص الأمراض

نشرت بتاريخ 16 يونيو 2024

مع اعتماد إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لقارئ ضوئي معزز بالذكاء الاصطناعي يساعد في تشخيص الإصابة بسرطان الجلد، تستطلع دورية «نيتشر ميديسين» Nature Medicine أحدث أخبار البحوث التطبيقية والإكلينيكية في هذا الإطار.

بول ويبستر

Image credit: Denis Pobytov / DigitalVision Vectors / Getty

في الماضي، كان من ينهض باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية، هم في الغالب خبراء متخصصون، يبرعون في المزج بين تقنيات الحواسيب الفائقة وتقنيات أجهزة المستشفيات الضخمة. لكن اليوم أخذ هذا الواقع يتغير بفضل جيل جديد من الأجهزة الصغيرة المحمولة باليد والمعززة بالذكاء الاصطناعي للمساعدة في رصد الأمراض. فبصورة متزايدة، بدأت أدوات الذكاء الاصطناعي للرعاية الصحية تنتقل إلى أيدي (وجيوب) غير المتخصصين.

وفي يناير من عام 2024، فجرت هذه الأجهزة خفيفة الوزن، المحمولة باليد والمدارة ببطاريات ضجة  مع ظهور جهاز محمول باليد لاكتشاف الإصابة بسرطان الجلد. ويبدو هذا الجهاز الذي اعتمدت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) تسويقه تحت الاسم التجاري «ديرماسينسور» DermaSensor كهاتف خلوي كبير، ولم يُعتمد إلا للاستخدام من قبل الأطباء ولحالات المرضى الذين تربو أعمارهم على 40 عامًا، بهدف المساعدة في تقييم الاعتلالات الجلدية التي تؤشر على الإصابة بأي من ثلاثة أنواع من أورام الجلد السرطانية، هي: الورم الميلاني، وسرطان الخلايا القاعدية، وسرطان الخلايا الحرشفية.

ويستخدم هذا الجهاز تقنية «التحليل الطيفي للتشتت الضوئي المرن» (ESS)، وهي تقنية ضوئية لمسح عينات الأنسجة دون الحاجة إلى استئصالها، تُميز بين الأنسجة الطبيعية والورمية. وتعمل من خلال بث نبضات ضوئية بأطوال موجية متفاوتة، يتراوح نطاقها ما بين 360 نانومترًا و810 نانومترات، عبر نظام صغير مدمج في الجهاز يغمر الأنسجة بالضوء، فيما يجري تسجيل تشتت أشعة الضوء المرتدة عن الأنسجة. وترتبط احتمالية وجود ورم (إصابة بسرطان الجلد في هذه الحالة) بكثافة الضوء المرتد لكل من الأطوال الموجية المختلفة. ولفك شفرة الإشارات المعقدة لهذا التحليل الطيفي، يتمتع الجهاز بخاصية تحليلية مدمجة مُدارة بالذكاء الاصطناعي لتقييم البيانات الناتجة عن قراءات الموجات الضوئية بموضع الإصابة.  وقد طُورت خوارزمية الذكاء الاصطناعي هنا باستخدام مجموعة بيانات تدريبية تضم أكثر من 10 آلاف قراءة من أكثر من ألفي ورم.

 تعقيبًا على هذا الجهاز المبتكر، يقول كوري سيمونز الرئيس التنفيذي لشركة «ديرماسينسور» DermaSensor الكائنة في ولاية ميامي الأمريكية، وهي الشركة التي طورت الجهاز بالتعاوُن مع باحثين من جامعة بوسطن الأمريكية، إنه يبشر بإتاحة أدوات علم الأمراض الجلدية "بين أيدي الجميع". إذ يتيح استخدام الجهاز لأطباء الرعاية الأولية الكشف عن الإصابة بسرطان الجلد دون اللجوء إلى إحالة المريض إلى اختصاصي أمراض جلدية. وبحسب ما يفيد سيمونز، من الأهمية بمكان أن الجهاز لا يتأثر بلون جلد البشرة، لأن التشويش الخلفي على البيانات الناجم عن محتوى الجلد من الميلانين يؤثر بالكاد في كفاءة تقنية التحليل الطيفي للتشتت الضوئي المرن.

كذلك تتسم واجهة الجهاز بأنها سهلة الاستخدام، فثبوت الإصابة بسرطان الجلد، ويستدل عليها من الرسالة: "مطلوب إجراء مزيد من الفحص"، تأتي مصحوبة بناتج من 1 إلى 10 لعملية التحليل الطيفي، يؤشر على درجة شبه موضع الإصابة بالخبيث من الأورام.  وفي اختبار لأداء الجهاز ضمن تجربة إكلينيكية لم تُنشر بعد نتائجها (عرضت في مؤتمر «ماوي ديرم» Maui Derm للأمراض الجلدية بهاواي عام 2023)، أظهر الجهاز دقة إجمالية نسبتها 95.5% في اكتشاف الأورام عالية الخطورة، وهي نسبة أعلى كثيرًا من نسبة الدقة التي أحرزها اختصاصيو الرعاية الأولية. كذلك بلغت دقة الجهاز 87.5% في اكتشاف حالات الورم الميلاني، و97.7% في اكتشاف الأورام الحميدة. ونظرًا لأن أداءه مضاه لأداء اختصاصيّ الأمراض الجلدية في اكتشاف الأورام عالية الخطورة، فهو، بحسب ما يضيف سيمونز، قد يغني عن كم هائل وغير ضروري من فحوص المتابعة والإحالات الطبية، ليقلص تكلفة الفحوص للمؤسسات التي تستخدمه.

 غير أنه في بيان أُرفق مع اعتماد تسويق الجهاز الصادر بتاريخ السادس عشر من يناير الماضي، لفتت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية محذرة إلى أن الجهاز لا ينبغي استخدامه إلا بمعية تقييم إكلينيكي، يقوم فيه أطباء غير متخصصين في الأمراض الجلدية "بتحليل البيانات البصرية للإصابة". كذلك نبهت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية إلى أن الجهاز لا ينبغي استخدامه إلا في حال "الإصابات التي اشتبه أطباء بالفعل في أنها تشكل ورمًا سرطانيًا جلديًا، ولا يُستخدم الجهاز للكشف عن الأورام". واليوم، بعد طرح الجهاز في الأسواق، تشترط إدارة الغذاء والدواء الأمريكية إخضاعه لمزيد من اختبارات الأداء الإكلينيكية في مرحلة ما بعد التسويق، بين مجموعات مختلفة من المرضى، لا سيما الفئات التي حظت بتمثيل ضعيف في تجارب الكشف عن الورم الميلاني في مرحلة ما قبل التسويق، مثل أصحاب البشرة السوداء أو البُنية.

ساعد في تطوير هذا الجهاز إيرفينج بيجيو، الباحث المتخصص في التحليل الطيفي من جامعة بوسطن. وقد درس لعقود إمكانية استخدام تقنية التحليل الطيفي للتشتت الضوئي المرن للأغراض الطبية. ويأمل أن يساعد الجهاز في التمهيد لابتكارات ثورية أخرى تستخدم تقنية التحليل الطيفي للتشتت الضوئي المرن بمعية الذكاء الاصطناعي للكشف عن أنواع أخرى من الأورام السرطانية، مثل سرطانات الفم والرئة والقولون والمستقيم. ويستطلع بيجيو في إطار أحد مشروعاته الجارية آفاق استخدام تقنية التحليل الطيفي للتشتت الضوئي المرن مع الذكاء الاصطناعي بهدف الوقوف على أنواع خلايا الرئة وعلى خصائصها آنيًا بالتحليل الضوئي خلال جراحات استخراج خزعة بالإبرة عبر الجلد والصدر. ولأغراض هذا المبحث، ابتُكرت أداة جمع عينات أُدمجت بها تقنية التحليل الطيفي للتشتت الضوئي المرن بهدف مساعدة الباحثين في مجال أورام الرئة السرطانية على تحديد ما إذا كان موضع طرف مسبار أخذ الخزعات الذي يستخدمونه في أنسجة رئة المريض الطبيعية أم في موضع ورم.  وتتضمن برمجية هذه الأداة خوارزمية ذكاء اصطناعي قائمة على بيانات تدريبية من أكثر من 1300 عملية تحليل طيفي للتشتت الضوئي المرن في 83 موضعًا بالرئة، اشتملت عليها مجموعة بيانات تدريبية استُقيت من 50 مريضًا. وأولى النتائج في هذا الإطار، من المزمع أن يطرحها بيجيو في جمعية طب الأشعة التدخلية في مارس المقبل. وهي تشير إلى أن أدوات جمع العينات النسيجية المدمجة بها تقنية التحليل الطيفي للتشتت الضوئي المرن يمكن أن تحدد آنيًا وبدقة ما إذا كانت في موضع ورم أم لا. حول ذلك، يقول بيجيو: "إن تقنية التحليل الطيفي للتشتت الضوئي المرن قادرة على تعزيز دقة أدوات جمع العينات وقوة استشعارها في مواضع الأورام، بالنظر إلى أن البيانات الراجعة عن موضع هذه الأدوات تصبح متاحة [عندئذ] في جزء من الثانية".

أما كارولينا جوزمان، وهي متخصصة في دراسات أمراض الكلى، تقود فريقًا بحثيًا متعدد التخصصات من جامعة المكسيك الوطنية المستقلة في مدينة المكسيك، فتقول إن القارئات الضوئية المتخصصة التي تتمتع بخواص تحليلية مدمجة مدارة بأنظمة الذكاء الاصطناعي يمكن أن تغني تمامًا عن الحاجة إلى أخذ الخزعات. على سبيل المثال، استخدمت دراسة أجرتها جوزمان في عام 2021 التحليل الطيفي الضوئي والذكاء الاصطناعي معًا لتقييم خلل الاستقلاب المرتبط بمرض الكبد الدهني في الفئران. ووجد فريقها البحثي أنه باستخدام نوعين من التحليل الطيفي (هما قياس طيف الانعكاس المنتشر والتحليل الطيفي لتألق الأنسجة الداخلي) بجانب إحدى أدوات الذكاء الاصطناعي، أمكن الوقوف على درجة شدة مرض الكبد الدهني، في حالات الإصابة الطفيفة والمعتدلة بدقة أكبر مما أمكن باستخدام الأساليب التقليدية لفحص الاعتلالات النسيجية.  تعقيبًا على ذلك، تقول جوزمان: "نأمل من وراء ذلك إلى أن نقلص بصورة كبيرة الحاجة لأخذ خزعات نسيجية [كبدية] من المرضى، لأن جراحات أخذ الخزعات قد تسلك أحيانًا منحنى بالغ الخطورة إلى حد أنها قد تقتل المريض".

وقد بدأ حقل استخدام الذكاء الاصطناعي لأغراض الرعاية الطبية يشهد طفرات من الابتكارات الجديدة، لكن فكرة تسخير تعلم الآلة في الأجهزة الطبية ليست جديدة من نوعها. فمنذ اعتماد إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لقارئ أوتوماتيكي لبيانات مسحات عنق الرحم في عام 1995، اعتُمدت مئات الأجهزة المُعززة بأنظمة الذكاء الاصطناعي للتسويق، وبالدرجة الأولى، في مجالي أمراض القلب وطب الأشعة. وبالإضافة إلى هذين المجالين، امتد نطاق التطورات التقنية في هذا الإطار ليشمل طيفًا من الابتكارات، بدءًا من خوارزمية ذكاء اصطناعي لرصد اعتلالات شبكية العين، إلى تقنية تصوير رقمي لقاع العين تستخدم كاميرا لفحص العيون، وصولًا إلى مقياس لسرعة الهواء، يُستخدم مع منظار لقياس جريان الهواء في الأنف. كذلك شهد طب الأعصاب تطورات في هذا السياق. على سبيل المثال، اعتُمد جهاز «أهيد 100» Ahead 100 لقياس شدة الإصابات الرضحية الدماغية، وجهاز «كوجنوا إيه إس دي دياجنوسيس آيد» Cognoa ASD  Diagnosis Aid  لتشخيص الإصابة بالتوحد.

وتتصدر شركة «جنرال إليكتريك هيلث كير» gE Healthcare مجال التسويق التجاري لهذه الأجهزة، إذ اعتمدت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لها 58 جهازًا معززًا بالذكاء الاصطناعي للرعاية الصحية.  والقيمة الحالية لهذه السوق، بحسب ما يفيد بارميندر بهاتيا، المسؤول الرئيس لشؤون أنظمة الذكاء الاصطناعي في الشركة، تبلغ 14 مليار دولار أمريكي، وتنمو بمعدل يبلغ تقريبًا 30% سنويًا. ويضيف بهاتيا: "ثمة رغبة عارمة في تبني أنظمة الذكاء الاصطناعي، لا سيما تلك التي تساعد في تحسين سير العمل". من هنا، تضخ شركة «جنرال إليكتريك هيلث كير» استثماراتها في ابتكارات الأجهزة المحمولة باليد المعززة بالذكاء الاصطناعي لفحوص الموجات فوق الصوتية، وكذلك أنظمة متابعة الصحة عن بعد التي يتسع لها جيب شخص، وتتمتع بخواص تحليليلة مدمجة معززة بالذكاء الاصطناعي، وكلا المجالين واعد بدرجة كبيرة.

 أما جهاز «ديرماسينسور» فهو فريد من نوعه، إذ إنه مُعد للاستخدام من قبل أطباء الرعاية الأولية، وليس اختصاصيي أمراض الجلد. ولم تعتمد إدارة الغذاء والدواء الأمريكية إلا عددًا محدودًا من هذه الأجهزة لغير المتخصصين. وأحدها هو جهاز فحص بالموجات فوق الصوتية محمول ومعزز بالذكاء الاصطناعي. وتروج له شركة ‏‏«باترفلاي نتوورك» Butterfly Network الكائنة في ولاية بوسطن الأمريكية. وتهدف هذه الشركة شأنها شأن شركة «ديرماسينسور» إلى إتاحة أدوات تقنيات التصوير الطبي "بين يدي الجميع"، وفقًا لما ورد على موقع الشركة.  ومن الأجهزة المحمولة المماثلة سماعة طبية مدارة بالذكاء الاصطناعي، طرحتها في الأسواق أول مرة عام 2015 شركة «إيكو هيلث» EKO Health الكائنة في مدينة إيميريفيل في ولاية كاليفورنيا الأمريكية. والسماعة حاليًا معتمدة لرصد حالات الرجفان الأذيني ودمدمة القلب الهيكلية، لكن شركة «إيكو هيلث» تأمل في أن تُعتمد أيضًا عن قريب لتقييم فترة خروج البطين الأيسر، التي تُعد من مؤشرات صحة القلب العامة.

في هذا الإطار، يقول جيسون بيليت، الرئيس التنفيذي لشركة «إيكو هيلث»، وهو أيضًا الاستشاري التجاري لشركة «ديرماسينسور»، إنه رغم أن سوق الأجهزة الطبية المحمولة باليد والمعززة بالذكاء الاصطناعي لا تزال وليدة، يُتوقع لها أن تنمو بخطى سريعة. ويضيف: "مجال الرعاية الطبية الأولية هو أرض خصبة لابتكار أدوات معززة بالذكاء اصطناعي، تتسم بالكفاءة الفائقة، وسهولة الاستخدام التي تتيح دمجها في سير عمل غير المتخصصين".

 

 

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.188