أخبار

من واقع 50 ألف فحص دماغي: إليك خمسة أنماط لشيخوخة الدماغ

نشرت بتاريخ 3 أكتوبر 2024

نتائج دراسة تبعث آمال في إمكانية تطوير أساليب لرصد المراحل المبكرة من أمراض التنكس العصبي.  

مايكل آيسنستاين

بعض أجزاء الدماغ تنزع إلى الضمور والتشوه بالتزامن مع مناطق دماغية أخرى. 
بعض أجزاء الدماغ تنزع إلى الضمور والتشوه بالتزامن مع مناطق دماغية أخرى. 
Credit:MachineHead/ iStock / Getty Images

كشف تحليل لنحو 50 ألف فحص دماغي1 عن خمسة أنماط مختلفة لضمور الدماغ ترتبط بالشيخوخة وأمراض التنكس العصبي. وقد عزى التحليل أشكال الضمور تلك إلى عوامل ذات صلة بأساليب حياة مثل التدخين ومعاقرة الخمر، وإلى واسمات وراثية وأخرى في الدم ذات علاقة بالحالة الصحية وخطر الإصابة بأمراض محددة.

عن هذا العمل البحثي يقول أندراي إريميا، المتخصص في دراسة الشيخوخة من جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجلوس، والذي لم يشارك في الدراسة: "إنه إنجاز فذ، على صعيد المنهجية التي سلكها"، ويضيف أن الدراسة من شأنها أن ترتقي بدرجة كبيرة بفهم الباحثين للشيخوخة. "فقبل هذه الدراسة كان كل ما تناهى إلى معرفتنا هو أن التشريح الدماغي يتغير مع الشيخوخة والمرض.  إلا أن قدرتنا على فهم هذه العلاقة المعقدة كانت محدودة للغاية".

نُشرت الدراسة في دورية «نيتشر ميديسين» nature medicine في الخامس عشر من أغسطس الماضي.

 

تجاعيد في الدماغ

لا تحفز الشيخوخة نمو الشعر الأبيض فحسب، بل تستحث أيضًا تغيرات في تشريح الدماغ، يمكن رؤيتها بالعين المجردة من خلال فحوص التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)، حيث تنكمش بعض المناطق أو تطرأ عليها تغيرات بنيوية بمرور الوقت. على أن هذه التغيرات دقيقة. فيقول كريستوس دافاتزيكوس، الباحث المشارك في تأليف الدراسة آنفة الذكر، وهو اختصاصي فحوص تصوير شعاعي في مجال الطبي الحيوي بجامعة بنسلفانيا في مدينة فيلادلفيا الأمريكية: "يتعذر على العين البشرية التنبُه إلى أنماط التغيرات الدماغية النظامية المرتبطة بهذا التدهور".

كانت دراسات سابقة قد أظهرت أن نماذج تعلم الآلة قادرة على استخلاص بصمات الشيخوخة الدقيقة من بيانات فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي. إلا أن هذه الدراسات عادة ما كانت محدودة النطاق، بل وانطوت غالبيتها على بيانات استُقيت من دراسة عدد صغير نسبيًّا من الأشخاص.

وبغية الوقوف على أنماط عامة لشيخوخة الدماغ، انبرى فريق دافاتزيكوس لدراسة استغرقت قرابة الثماني سنوات لإتمامها ونشرها. وفيها، استعانوا بمنهجية قائمة على خوارزمية تعلم عميق باسم «سيريال-جان» Surreal-GAN، كان قد طورها المؤلف الأول للدراسة جيجيان يانج، فيما كان لا يزال طالب دراسات عليا في مختبر دافاتزيكوس. درَّب الباحثون الخوارزمية على بيانات فحوص دماغية بتقنية الرنين المغناطيسي استُقيت من دراسة 1150 شخصًا من الأصحاء في الفئة العمرية بين 20 و49 عامًا، وعلى مجموعة بيانات أخرى استقيت من دراسة 8992 شخصًا من كبار السن، عانى كثيرون منهم من تدهور إدراكي. وهكذا تعلمت الخوارزمية تمييز السمات المتكررة للأدمغة الشائخة، ما ساعدها على استحداث نموذج محاكاة للبنى التشريحية التي تنزع إلى التغير بالتزامن، في مقابل تلك التي تميل إلى التغير على حدة.

بعدئذ، استخدم الباحثون النموذج الناتج في تحليل فحوص بتقنية الرنين المغناطيسي لحوالي 50 ألف مشارك في دراسات متعددة حول الشيخوخة والصحة العصبية. وقد تمخض التحليل عن اكتشاف خمسة أنماط منفصلة للضمور الدماغي. إذ وجد الباحثون علاقة بين أنواع مختلفة من التدهور الدماغي المرتبط بالعمر وأمزجة من الأنماط الخمسة، بالرغم من وجود بعض التفاوتات بين الأفراد الذين شملتهم الدراسة، وعانوا من الحالة نفسها.

أنماط شيخوخة الدماغ

على سبيل المثال، الخرف والصورة الأولية منه، الخلل الإدراكي الطفيف، ارتبطا بثلاثة أنماط من الخمسة.  ومن المثير للاهتمام، أن الباحثين عثروا أيضًا على أدلة على أن الأنماط التي اكتشفوها قد يمكن استخدامها في الوقوف على فرص حدوث المزيد من التدهور الدماغي في المستقبل. فيقول دافاتزيكوس: "إن أردت أن تتنبأ بتطور حالة من الإدراك الطبيعي إلى القصور الإدراكي الطفيف، ستجد أن أحد [الأنماط]  يتفوق بفارق كبير كمؤشر تنبؤي على الأنماط الأخرى". ويتابع قائلًا: "في المراحل التالية من التدهور الإدراكي، وجود [نمط] ثان يعزز دقة التنبؤ بحدوث هذه المراحل، وهذا منطقي لأن دخول هذا النمط الثاني يجسد نوعًا ما تعاظم المرض". كذلك ارتبطت أنماط أخرى من شيخوخة الدماغ بحالات مثل داء باركنسون وداء ألزهايمر، وخدم مزيج آخر يجتمع فيه ثلاثة من أنماط شيخوخة الدماغ كمؤشر تنبؤي قوي ينذر باحتمالية الوفاة.

ثم وجد الباحثون ارتباطًا واضحًا بين أنماط معينة من الضمور الدماغي والعديد من العوامل الفسيولوجية والبيئية، مثل التدخين ومعاقرة الخمر، وكذلك بين هذه الأنماط وبصمات وراثية وكيميائية بيولوجية متعددة مرتبطة بالصحة. من هنا، يقول دافاتزيكوس إن هذه النتائج تعكس على الأرجح تأثير مجمل السلامة البدنية على الصحة العصبية، ذلك أن التلف الذي يلحق بأجهزة الجسم الأخرى يمكن أن يكون له تداعيات على الدماغ.

وينوه دافاتزيكوس إلى أن الدراسة "لا تعني أن الأمر برمته يمكن اختزاله في الأنماط الخمسة"، على أنه يتطلع هو وفريقه إلى دراسة مجموعات بيانات تشتمل على طيف أوسع من الأمراض العصبية وتنطوي على تنوع عرقي وإثني أكبر.

نُشر هذا المقال في دورية Nature في التاسع عشر من أغسطس الماضي.

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.307


Reference:

1-Yang, Z. et al. Nature Med. https://doi.org/10.1038/s41591-024-03144-x (2024).